Description:
شهدت السنوات الأخيرة اندفاعا شديد نحو تعظيم الدور الذي يمكن أن يلعبه القطاع الخاص في التنمية، وبطبيعة الحال فإن الخوصصة تحتاج كعنصر من عناصر الإصلاح الإقتصادي والقانوني إلى الأسلوب المناسب لإدارتها بنجاح ، كما أن السرعة المناسبة للخوصصة هي محل جدل بين الإقتصاديين . خاصة عندما تدعي المؤسسات الدولية المشرفة علي برامج الإصلاح بان دولة ما قد تباطأت في عملية الخوصصة ، فقد مرت مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الجزائر. بعدة مراحل منذ الاستقلال، شهدت تغيرات هيكلية هامة لا سيما التخلي عن الاشتراكية والتوجه تدريجيا نحو النظام الرأسمالى والسوق الحرة، حيث بادرت الحكومات الجزائرية المتعاقبة بتنفيذ المخططات التنموية بعد محاولة إجراء دراسات وعملية إحصائية ، بمختلف الموارد التي يتوفر عليها القطاع الوطني بعد الاستقلال، فقد سعت الحكومات المتعاقبة على سدة الحكم في الجزائر لإصلاح القطاع العام الذي واجه مشاكل عدة جعلته ينحرف عن أهدافه المحددة ، حيث شهد خللا واضحا من الناحية المالية والتنظيمية والذي جعله غير قادر علي الصمود لمواجهة الأزمة الاقتصادية الممتدة في تلك السنوات ، وكان على المسؤولين في ذلك الوقت البحث عن الطريقة أو الطرق التي تساعد بالخروج تدريجيا، أو نهائيا من هذه الأزمات، حيث تم اتخاذ مجموعة من التدابير لفائدة المؤسسات العمومية الاقتصادية، تمحورت حول فكرتين أساسيتين: فكرة التصحيح الداخلي للمؤسسة، وفكرة الخوصصة، حيث جاءت هذه الأخيرة بعد التوقيع على اتفاقية برنامج التعديل الهيكلي المبرمة مع صندوق النقد الدولي، وتنفيذا لهذا الالتزام أصدرت السلطة العمومية القانون رقم 95/22 المؤرخ في 26/08/1995 المتعلق بالخوصصة، وأتبعته فيما بعد بالقانون رقم 95/09/1995 المتعلق بكيفيات تسيير رؤوس الأموال التجارية المملوكة للدولة، وبعدها تم إصدار الأمر رقم 01-04 المؤرخ في 20/08/2001 المتعلق بتنظيم المؤسسات العمومية وخوصصتها، والذي عرف الخوصصة في نص المادة 13 منه على أنها " كل صفقة تتجسد في نقل الملكية إلى أشخاص طبيعيين أو معنويين خاضعين للقانون الخاص من غير المؤسسات العمومية، وتشمل هذه الملكية .
كل رأسمال المؤسسة أو جزء منه تحوزه الدولة مباشرة أو غير مباشرة أو الأشخاص المعنويين الخاضعون للقانون العام، وذلك عن طريق التنازل عن أسهم أو حصص اجتماعية، أو اكتتاب لزيادة في الرأسمال".
كما أن عملية الخوصصة تعني وضع إطار مؤسساتي، قادر على تنمية القطاع الخاص، ووضع قوانين السوق، والمتمثلة في تقليص الاحتكار، وتحرير التجارة الخارجية، هذا بالإضافة إلى أنها عملية تهدف إلى تقليص دور الحكومة، أو الرفع من دور القطاع الخاص في نشاط ما أو ملكية وسائل الإنتاج، أو إدارة المؤسسات القائمة، وهذا لا يؤدي بالصفة المرجوة إلى التقدم الاقتصادي، فإن الخوصصة في معناها الواسع، ومحتواها المرغوب هو تنمية القطاع الخاص للقيام بدور فعال في تحريك النشاط الاقتصادي، كما أن مفهوم الخوصصة يختلف من بلد إلى أخرى مثلا: إعادة الهيكلة في تونس، إعادة الهيكل التنظيمي في هولندا، إلغاء التأمين في فرنسا، مواجهة البيروقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية.
فمثل هذه العملية يجب فيه اختيار المؤسسات الصالحة للتخصيص كما أنه يتعين على كافة السلطات إتخاذ الإجراءات لإعادة تنظيم الهياكل، ويتعين على ذلك اختيار أساليب بيع صالحة لتنفيذ، كما أنه يجب تحديد شركاء من القطاع الخاص.
وتتجلى أهمية موضوع الخوصصة في الدور الفعال للخوصصة في إنعاش الاقتصاد الوطني، والاندماج في الاقتصاد العالمي، ومن أسباب اختيار الموضوع إبراز واقع الخوصصة في الجزائر، ومعرفة أهم الأسباب التي جعلت الجزائر، تقوم بهذه التجربة، وكذا معرفة الشروط الواجب تهيئتها أو توفيرها لنجاح هذه العملية .
ومن بين الصعوبات التي واجهتها في هذه البحث نقص المراجع القانونية التي تعالج موضوع الخوصصة خاصة في الجزائر، والمنهج المتبع هو المنهج الوصفي التحليلي ولدراسة هذا الموضوع نطرح الإشكالية التالية: ماهو النظام القانوني للخوصصة في الجزائر؟ كيف بدأت؟ ومتى انطلقت؟ ولماذا انتهجت الجزائر نهج الخوصصة؟ وماهي النصوص القانونية التي تنظم هذه العملية؟ وما هي الهيئات المكلفة بتنفيذ برنامج الخوصصة؟ وما هي الطرق التي اعتمدها المشرع الجزائري في تنفيذ هذه العملية؟ وما هدف الجزائر من عملية الخوصصة؟ وما هي الآثار المترتبة عن تطبيق برنامج الخوصصة؟ أو بالأحرى ما هي ايجابياتها وسلبياتها؟
وللإجابة على هذه الأسئلة تم تقسيم خطة البحث إلى فصليين أتناول في الفصل الأول الخوصصة في الجزائر حيث تم تقسيم هذا الفصل إلى ثلاث مباحث أتناول في المبحث الأول: عوائق الخوصصة .
أما المبحث الثاني من هذا الفصل يشتمل على أبعاد وأهداف الخوصصة وشروط نجاحها أما الفصل الثاني، فهو خاص بالإطار المؤسساتي لعملية الخوصصة، فقد تم تقسيم هذا الفصل إلى ثلاث مباحث أتناول في المبحث الأول هياكل وأجهزة الخوصصة في الجزائر، أما المبحث الثاني من الفصل الثاني فهو يشتمل على شروط تنفيذ عملية في المطلب الأول من هذا المبحث، وفي المطلب الثاني نطاق تنفيذ عملية الخوصصة وفي المطلب الثالث طرق التنفيذ، أما المبحث الثالث فهو خاص بإجراءات الخوصصة وآثارها، حيث يشتمل المطلب الأول منه على الإجراءات أما المطلب الثاني على آليات الرقابة، أما المطلب الثالث فهو يتعلق بآثار الناجمة عن الخوصصة.