Description:
تشكل عقود التجارة الدولية، العصب الرئيسي في الحياة الاقتصادية العالمية، وتتخذ أشكالا متعددة تيسيرا للمعاملات التجارية التي بلغت في تنوعها حداً لا حصر له، ولعل ابرز ما يميز عقود التجارة الدولية اختلافها عن العقود الأخرى في أن الأولى تخضع لقواعد القانون الدولي وبالأخص قواعد التجارة الدولية، أما الثانية فيتم تنظيمها بموجب القوانين الوطنية.
ولم تهتم الهيئات والمنظمات الدولية بموضوع العقود الدولية إلا بمناسبة المعاملات التجارية، إلا أن هذه الهيئات بذلت جهوداً كبيرة لتوحيد أحكام التجارة الدولية، حتى برزت ملامح فرع جديد من فروع القانون هو" قانون التجارة الدولية" الذي يتضمن الاتفاقيات الدولية التي تم إنجازها في مجال التجارة الدولية والعقود النموذجية والشروط العامة التي وضعت في هذا المجال.
ويقصد بقانون التجارة الدولية مجموعة القواعد القانونية التي تسري على العلاقات التجارية المتصلة بالقانون الخاص والتي تجري بين دولتين أو أكثر وقد تم وضع هذا التعريف من طرف الأمانة العامة لمنظمة الأمم المتحدة من خلال التقرير الذي أعدته بمناسبة إنشاء لجنة الأمم المتحدة لتوحيد قانون التجارة الدولية (اليونسترال).
ومن هذا التعريف نرى أن قانون التجارة الدولية يحتوى على قواعد موضوعية لحكم العلاقات التجارية الدولية ولا يعد مجرد توحيد لقواعد الإسناد الوطنية بحيث يعين بقاعدة موحدة القانون الوطني الواجب التطبيق كقانون دولة محل إبرام العقد مثلا.. أو قانون دولة تنفيذ العقد.
فهو مجموعة القواعد القانونية التي تحكم معاملات التجارة الدولية التقليدية منها والالكترونية وتنظم العقود الدولية للتجارة، ووسائل حل نزاعاتها، والمسؤولية المترتبة عن المعاملات التجارية التي يكون أحد أطرافها أشخاصا متواجدون في دول مختلفة.
وهو ما يجعل قانون التجارة الدولية فرعا ينظم البيع الدولي للبضائع، والسندات القابلة للتحويل، والتجارة الالكترونية، وتنظيم عقود التجارة الدولية، والاعتمادات التجارية المصرفية، والنقل والتأمين، والشركات الدولية، والتحكيم التجاري الدولي.
بحيث نجد أن عقود التجارة الدولية تتميز بطبيعة تميزها عن غيرها من العقود الأخرى بحيث یمكن عدم إخضاعها لأي أحكام قانونية یكون مصدرها النظم القانونية الوطنية، أو القانون الدولي العام، وهنا يظهر مبدأ سلطان الإرادة، الذي ازدهر في بدایة القرن العشرین، حيث أكد القضاء في ميدان عقود التجارة الدولية على أن هذه العقود تخضع للقانون الذي یختاره الأطراف، فتسري عليهم قواعده بمحض إرادتهم، ومن هنا استشعر التاجر الدولي الحاجة إلى قواعد قانونية جدیدة أكثر اتفاقا مع تلك العقود وتقوم على أساس الإرادة الحرة للأطراف، ولذلك فان سلطان الإرادة یعتبر الآن بمثابة وسيلة دفاعية عن النظام القانوني الدولي في مواجهة النظام القانوني الداخلي، ومع ذلك ليس بمقدور التجار دوما تضمين عقودهم نصا یستبعد تطبيق القوانين الوطنية، بصورة مطلقة، باعتبار أن هذا العقد الدولي، لا یعتبر بمثابة معاهدة دولية، إضافة إلى أن القوانين الوطنية تتضمن بعض القواعد الآمرة، كالمتعلقة بسقوط الحق وتقادم الدعوى، فمن خلال ما تقدم، تبدو الأهمية في صياغة مثل هذه القواعد، وعدم إمكان تصورها إلا بإفراغها كتابة.
وبصرف النظر عن نوع هذه الكتابة ووسيلتها، فهذه العقود یبقى مصدرها إرادة المتعاقدین ومن هنا تأتي الأهمية القصوى لكيفية تحریرها ووضوح معانيها.
ويهدف هذا البحث إلى التركيز على أهمية صياغة العقد الذي يبرم بين المتعاقدين، ليكون بمثابة دليل عملي لهما، من أجل تجنب الشكوك وسوء الفهم حول ما تم الاتفاق عليه خلال التفاوض على الشروط إذا ما تمت كتابته، وكذا معرفة أساسيات التعاقد الدولي والبنود الرئيسية في العقود الدولية.
وتأتي أهمية هذا البحث خصوصا في العصر الحالي مع ازدياد التجارة الدولية وتعقد مشكلاتها وظهور التجارة الالكترونية، أدى إلى البحث عن حلول لمشاكلها القانونية والسعي إلى خلق قواعد موحدة تحكم النشاط التجاري الدولي بغض النظر عن طبيعة النظام الاقتصادي الذي يسود في دولة من الدول، ودون اعتبار لطبيعة النظام القانوني الذي تتبعه هذه الدول، فهي قواعد تنبع من العرف التجاري الدولي دون اعتبار للتقسيم السائد في دول العالم إلى دول اشتراكية ودول رأسمالية.
وهناك عدة أسباب موضوعية وذاتية أدت بالباحثة إلى دراسة هذا الموضوع، فالأسباب الموضوعية تتمثل في التطورات التي يشهدها العالم بخصوص العقود التجارية الدولية وطريقة صياغتها صياغة دقيقة لتفادي المشكلات القانونية والمنازعات التي قد تحدث بين أطراف العقد،
أما الدوافع الذاتية حيث أن الباحثة تحس بميل كبير نحو تناول المواضيع الأكثر عملية والمتعلقة بالوضع الراهن هذا من جهة ومن جهة ثانية قلة المؤلفات التي تتناول كيفية صياغة هذا النوع من العقود صياغة دقيقة.