Description:
لقد بينت التجارب التي مرت بها الأمم في المجال المصرفي مدى تأثير النشاط المصرفي على النشاط الاقتصادي، و النتائج التي تكون أحيانا وخيمة لانطوائه على عنصر الخطر، فازداد تدخل الدولة في النشاط المصرفي ليس من أجل توجيهه وفقا لما يخدم المصلحة العامة، بل أيضا من أجل حمايته، وهذا ما ترتب عنه أن أصبح نشاطا منظما، و تتفق التشريعات الحديثة حول هذا المبدأ و إن كانت اختلفت لبعض الشيء في طريقة و كيفية التنظيم، و يرجع ذلك إلى طبيعة كل نظام على حدى نظرا لمتطلبات و الحاجات الاقتصادية التي يخضع لها التنظيم المصرفي.
شهد القطاع المصرفي في العقود الأخيرة تطورات كبيرة ناتجة عن العولمة ، فتحت مجالات أوسع للبنوك والمؤسسات المالية في الاستثمار وتحقيق الأرباح، فقد استفادت البنوك كثيرا من اتفاقية تحرير تجارة الخدمات المالية والمصرفية وما ارتبط بها من حرية تحركات رؤوس الأموال، وانفتاح السوق المالي المحلي على الأسواق الدولية، كما ساهم التقدم التكنولوجي الحاصل في إحداث تحول جذري في أنماط العمل المصرفي بتوفيره لأحدث تقنيات المعلومات والاتصالات والحواسيب الآلية، وابتكار خدمات مصرفية مستحدثة وتطوير أساليب تقديمها إلى العميل بدقة و سهولة وسرعة. وعليه فقد طرأ تغير على الدور التقليدي للبنوك حيث تقلصت عمليات وظهرت عمليات أخرى بشكل أساسي، مما أحدث تغيرا هيكليا ملموسا في الخريطة المصرفية الدولية وفي شكل وأداة البنوك للخدمات المصرفية المختلفة.
لاشك أن هذا التحول الكبير و التنوع الملحوظ في الخدمات المصرفية أو في صناعة البنوك بصفة عامة كان بمثابة ضرورة فرضتها واقع التطور و النمو السريع في مختلف الأنشطة الاقتصادية في دول العالم المختلفة و هذا ما جعل الكثير من الممارسين في صناعة البنوك يرون أن المشكلة الحقيقية التي تواجه رجال البنوك تكمن في كيفية إدارة و مواجهة التغيير و النمو السريع في المجالات الاقتصادية و الاجتماعية بنجاح، بالإضافة إلى التغيير و التطور في السوق الصناعة المصرفية التي أصبحت تتصف بالمنافسة الشديدة و الجزائر إحدى هذه الدول التي تسعى إلى مواكبة التطورات الحاصلة ذلك أنها تحاول أن تواكب التغيرات عن طريق تعديل قانونها المصرفي بما يوافق التطورات العالمية، ذلك لأن الدولة الجزائرية غداة الاستقلال قد ورثت مؤسسات مالية و مصرفية تابعة للمستعمر الأجنبي، و لذلك لم تتمكن من مسايرة متطلبات التنمية المنشودة للاقتصاد الجزائري الناشئ، و كذا انتهاج النظام الاشتراكي بعد الاستقلال الذي باء بالفشل في نهاية الثمانينات ، و أدى إلى وصول النظام المصرفي إلى مرحلة الاختناق ،حيث تراكمت خلالها أخطاء عديدة عانت منها السياسة الاقتصادية عموما و النظام المصرفي بصفة خاصة، مما أدى إلى صعوبة معالجتها، و كان هذا سببا في التخلي عنه و الانتقال إلى اقتصاد السوق، و كان بداية الإصلاح، حيث ظهرت العديد من القوانين أهمها قانون المصارف و القروض لسنة 1986، وقانون المتعلق باستقلالية البنوك في سنة 1988، و قانون النقد و القرض لسنة 1990 كأول قانون شامل نظم الجهاز المصرفي و الذي تعرض للعديد من التعديلات، ، لكن نظرا إلى ما تمليه المعطيات الاقتصادية و المالية الجديدة على المستوى الوطني و الدولي، فإن هذا القطاع لا يزال يواجه تحديات.